شحاته ذكريا| الإعلام: مسؤولية مزدوجة بين الواقع وصناعة الرأي
الإعلام: مسؤولية مزدوجة بين الواقع وصناعة الرأي
تتزايد أهمية الإعلام في حياتنا اليومية ، لدرجة أنه أصبح العنصر الأبرز في تشكيل وعي المجتمعات وتوجيه الرأي العام. ومع ذلك يكمن وراء هذا الدور الكبير مسؤولية لا تنحصر فقط في نقل الواقع كما هو ، بل تمتد إلى كيفية تحليل هذا الواقع وتأطيره فالإعلام لا يمكن اعتباره مجرد مرآة تعكس ما يحدث بل هو فاعل أساسي في صناعة الرأي العام وتوجيهه ، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
من الخطأ تبسيط دور الإعلام وحصره في نقل الأحداث التي تحدث حوله. الإعلام لا يعمل في فراغ بل يتفاعل مع الأحداث والمجتمع بطريقة ديناميكية تجعله مؤثرا في تشكيل نظرة الناس للأمور. إن الانتقادات الموجهة للإعلام في بعض الأحيان تكون مشروعة ليس بسبب اختيار الموضوعات فقط بل بسبب كيفية تناول تلك الموضوعات والتوجهات التي تقف خلف سردها.
الإعلام في عصرنا الحالي لا يقتصر على نقل الأخبار التقليدية فقط ، بل يسهم في تشكيل توجهات المجتمع وتقديم رؤى معينة حول قضايا قد تبدو هامشية ، لكنها سرعان ما تصبح مركزية بفعل التغطية الإعلامية المكثفة. هنا يكمن التحدي الحقيقي: كيف يمكن للإعلام أن يوازن بين حق الجمهور في المعرفة وبين مسؤوليته في عدم إثارة الفوضى أو الانسياق وراء ما هو “مثير” فقط.
نعم الإعلام يتطور ووسائل الاتصال الجديدة أعادت صياغة قواعد اللعبة بالكامل. ولكن يجب ألا ننسى أن الإعلام ليس مجرد صدى لما يطلبه الجمهور، بل عليه مسؤولية توجيه هذا الجمهور نحو الأهم والأعمق، بعيدا عن السطحية والإثارة الفارغة. هذه المسؤولية تجعل الإعلام يلعب دورا مزدوجا نقل الواقع وصناعته في آن واحد.
تطور الإعلام ليصبح متاحا على مدار الساعة ، سواء عبر القنوات الفضائية أو الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي زاد من الضغوط عليه حيث أصبح سباقا لاجتذاب المشاهدين والمستخدمين. ومع هذا التحول قد تتراجع الأولويات الحقيقية لتحل محلها القضايا “التريند”، والتي لا تضيف شيئا يذكر سوى الإثارة المؤقتة.
الإعلام بمختلف أدواته يمتلك القدرة على أن يكون أكثر من مجرد انعكاس؛ إنه يمتلك أدوات لخلق وعي نقدي عند المتلقي. لا يمكن للإعلام أن يعزل نفسه عن مجتمعه أو أن يتنصل من مسؤوليته عندما يُتهم بإثارة الجدل. بل على العكس يجب أن يحتضن النقد ويعمل على تطوير ممارساته بشكل يجعل من نقله للأحداث جزءاً من عملية فكرية أعمق تُسهم في تطوير المجتمع.
خلاصة القول الإعلام لا يُحاكم فقط على ما ينقله بل على الكيفية التي ينقل بها هذا المحتوى وعلى الآثار التي يتركها في المجتمع.