اقتصادي يستعرض دور البنوك في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية

استعرض الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي،  دور البنوك في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادي.

 

وأوضح: في الوقت الحاضر، تظهر المؤشرات أنه بعيداً عن المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن الاقتصاد العالمي بأكمله سوف يشعر بآثار تباطؤ النمو وتسارع التضخم.

وتظهر الآثار في ثلاثة أبعاد رئيسية.

أولاً، زيادة التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول والتأثير على الطلب.

ثانياً، تصارع الاقتصادات المجاورة، خاصة مع تباطؤ حركة التجارة، وسلاسل التوريد، والتحويلات المالية، فضلاً عن الارتفاع التاريخي في تدفقات اللاجئين.

ثالثاً، يؤثر انخفاض ثقة الشركات وارتفاع حالة عدم اليقين لدى المستثمرين على أسعار الأصول، وزيادة صعوبة الأحوال المادية، وربما تحفز تدفقات رأس المال من الأسواق الناشئة.

 

وأضاف: فقد تسببت الاضطرابات الناجمة عن الحرب بين الدولتين في ارتفاع الأسعار العالمية، خاصة بالنسبة للنفط والغاز الطبيعي. وارتفعت تكاليف الغذاء مع وصول القمح الذي تشكل أوكرانيا وروسيا 30٪ من صادراته العالمية إلى مستوى قياسي.

وقد تؤدي السياسات التي تحث على احتواء التضخم، مثل رفع الدعم الحكومي، إلى الضغط على الحسابات المالية الضعيفة بالفعل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور ظروف التمويل الخارجي قد يحفز تدفقات رأس المال إلى الخارج، ويضيف العبء على البلدان ذات مستويات الديون المرتفعة، والاحتياجات التمويلية الكبيرة.

وقد يؤدي ارتفاع الأسعار إلى زيادة التوتر المجتمعي في بعض البلدان، مثل تلك التي تعاني من ضعف شبكات الأمان الاجتماعي، وقلة فرص العمل، ومحدودية الحيز المالي، والحكومات التي لا حظى بشعبية.

 

وكما أشارت أبحاث برنانكي، فإن النظام المالي بحد ذاته غير متزن، وقد يواجه الكثير من الثغرات والمشاكل على مدار السنين. ولكن، على الرغم من صعوبة تقليل التضخم المدفوع بأزمات سياسية، بحيث لا يؤدي إلى ركود اقتصادي، أشار برنانكي إلى أن الولايات المتحدة لديها سوق عمل قوي، مشيراً إلى أنه “مع بعض الحظ، وإذا تحسن جانب العرض، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي خفض التضخم من دون فرض نوع التكاليف التي رأيناها في أوائل الثمانينات”.

 

وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط، التي تشكل 3٪ من الناتج المحلي العالمي، تعد سبب مهم في التضخم. فالحقيقة هي، أن السياسات الاقتصادية الضعيفة وعدم الاعتماد أولاً على القوة العاملة المحلية، والناتج المحلي، هي أيضاً أسباب مهمة وراء عدم استقرار التضخم وزيادته. فكما أوضحت الأبحاث الاقتصادية الأخيرة، فإن تدخل الدولة بقرارات داعمة، من شأنها تحقيق الأمان للمستثمرين، قد يؤدي إلى تخطي احتمالية الكساد الاقتصادي.

البنوك المركزية تلعب دوراً حاسماً في ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي

تلعب البنوك المركزية دوراً حاسماً في ضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي، ويصبح ذلك الدور محل متابعة المتخصصين والعامة على السواء في أوقات الأزمات الاقتصادية أو السياسية. ولعل الهدف الرئيسي من السياسات النقدية التي تتبناها البنوك المركزية في تلك الأوقات، هو تعزيز الاستقرار النقدي؛ لذا يكون جُل تركيز البنوك المركزية منصبّاً على انتهاج سياسات نقدية تستهدف من خلالها التعامل مع المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، وضبط معدل التضخم عند مستوى منخفض ومستقر.

أدوات رئيسية

تختلف السياسات النقدية للبنوك المركزية حول العالم باختلاف طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تكون بصددها، وإذا ما كانت الأزمة محلية لظروف داخلية، أم أزمة عالمية يمتد تأثيرها إلى غالبية دول العالم، وكذلك باختلاف طبيعة اقتصاد الدولة ومدى قدرتها على تحمل الصدمات، لكن إجمالاً ثمة سياسات نقدية رئيسية تلجأ إليها البنوك المركزية في أوقات الأزمات، تستهدف من خلالها تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، وهو ما نتناوله فيما يأتي:

 

1– تحقيق استقرار الأسعار ومواجهة التضخم: تعرضت أطر السياسات التي تعمل من خلالها البنوك المركزية حول العالم لتغييرات كبيرة خلال العقود الأخيرة الماضية؛ فمنذ أواخر الثمانينيات، برز استهداف التضخم كإطار رائد للسياسة النقدية، حين أدخلت البنوك المركزية في كندا ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة ونيوزيلندا وأماكن أخرى، التضخم هدفاً واضحاً ضمن أجنداتها. ومنذ ذلك الحين، بات الدور الرئيسي للبنوك المركزية يتمثل في تحقيق الاستقرار في الأسعار، والوصول إلى معدل تضخم منخفض ومستقر، بما يساعد – بالتبعية – في إدارة التقلبات الاقتصادية التي تتعرض لها الدولة.

 

2– بيع سندات حكومية لتقليل السيولة: تلجأ البنوك المركزية أحياناً إلى تعديل عرض النقود؛ أي ضبط القيمة الإجمالية للأموال المتاحة في الاقتصاد في وقت معين؛ وذلك عبر عمليات السوق المفتوحة؛ فقد يرغب البنك المركزي في تقليل المعروض النقدي لديه من أجل كبح جماح التضخم المفرط؛ لذا يتجه إلى بيع سندات حكومية بموجب اتفاقية “بيع وإعادة شراء” بهدف تقليل السيولة. ولعل الغرض من عمليات السوق المفتوحة هذه، هو توجيه أسعار الفائدة القصيرة الأجل، التي تؤثر بدورها على الأسعار الطويلة الأجل والنشاط الاقتصادي العام.

 

3– شراء السندات الطويلة الأجل لخفض أسعار الفائدة: عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، خففت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة سياستها النقدية عن طريق خفض أسعار الفائدة حتى اقتربت أسعار الفائدة القصيرة الأجل من الصفر. ومع ارتفاع خطر الانكماش، اتبعت البنوك المركزية سياسات نقدية غير تقليدية، بما في ذلك شراء السندات الطويلة الأجل، خاصةً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، بغية خفض أسعار الفائدة على المدى الطويل، وتخفيف السيولة النقدية، حتى إن بعض البنوك المركزية خفضت أسعار الفائدة القصيرة الأجل إلى ما دون الصفر.

 

4– تيسير السياسة النقدية وزيادة المعروض: عقب تفشي جائحة كورونا، جنحت البنوك المركزية إلى تبني سياسة “التيسير الكمي”، التي رمت من خلالها إلى زيادة المعروض النقدي من أجل تحفيز الاقتصاد، والتخفيف من تبعات الجائحة اجتماعياً واقتصادياً؛ وذلك عبر تبني مجموعة من الأدوات التقليدية وغير التقليدية لتيسير السياسة النقدية ودعم السيولة في الأسواق المالية الرئيسية، والحفاظ على تدفق الائتمان، ومنها اللجوء إلى خفض أسعار الفائدة.

 

5– تشديد السياسة النقدية وتقليل المعروض: على النقيض من آلية تيسير السياسة النقدية، قد تتبنى البنوك المركزية – في أوقات الأزمات الاقتصادية التي ترتفع فيها معدلات التضخم إلى مستويات قياسية – سياسة “التشديد الكمي”، وهي سياسة انكماشية يتم تطبيقها بغرض تخفيض مقدار السيولة داخل الاقتصاد ورفع تكاليف الإقراض؛ وذلك عبر عدد من الأدوات، أبرزها رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة أو الذهاب إلى تقليص الموازنة العامة.

 

وقد ظهر تطبيق تلك السياسة بصورة جلية عقب الحرب الروسية على أوكرانيا؛ إذ سرعان ما رفعت البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة خلال الشهور الثلاثة الماضية؛ إذ أعلن صانعو السياسات في جميع أنحاء العالم عن أكثر من 60% زيادةً في أسعار الفائدة الرئيسية، وهو أكبر رقم منذ بداية عام 2000 تقريبًا. ووفق تقديرات “بلومبرج إيكونوميكس”، فإنه في يوم الاثنين الثاني من مايو الماضي، أعلنت البنوك المركزية لمجموعة الدول السبع عن تقليص ميزانياتها بنحو 410 مليارات دولار للفترة المتبقية من عام 2022؛ وذلك في إطار تشديد السياسة النقدية.

 

6– التدخل بالعملات الأجنبية وضبط تداول العملة الوطنية: يُعرَف التدخل بالعملات الأجنبية بأنه أداة من أهم أدوات السياسة النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية بهدف المشاركة بفاعلية في التأثير على معدل تداول العملة الوطنية، وهو إجراء غالباً ما تلجأ إليه البنوك المركزية في الدول النامية، عبر التدخل في سوق صرف العملات الأجنبية؛ من أجل زيادة حجم احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية، وزيادة استقرار سعر صرف العملة المحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى