الطمع .. الخطيئة القاتلة في سوق الأسهم

يمكن أن تكون أفضل منتقٍ للأسهم في العالم، يمكن أن تمتلك أعلى القدرات التحليلية والمؤاهلات الأكاديمية، لكن إذا فقدت هدوءك وثباتك الانفعالي فإن هذه الأمور جميعًا لن تمثل أي أهمية.

ومع سعي الجميع في أسواق الأسهم لتحقيق أرباح وثروات، فإن الناجحين هم الأكثر التزاماً بخطة محددة والأقل وقوعاً في فخ الأحلام غير الواقعية والتي تعبر عنها كلمة واحدة: الطمع.

أسوأ الاحتمالات الممكنة تتمثل في الطمع الذي قد يقود البعض للمراهنة على الربح المحتمل من خلال قروض الرافعة المالية والشراء بالهامش، وهو ما قد لا ينتهي بخسارة جزء من رأس المال فحسب وإنما استنفاد كامل أموال المستثمر.

انحياز العين الواحدة

يؤثر الطمع على الحالة الذهنية للمستثمر، يجعله يركز فقط على زيادة الأرباح والثروة دون الوضع في الاعتبار المخاطر المحيطة بهذا القرار والتي قد تؤدي لنتائج عكسية تماماً.

مشكلة الطمع في أنه يؤدي إلى انحياز شعوري لدى المستثمرين، فالرغبة في تحقيق الأرباح تجعل البعض ينظر للمعلومات التي تبرر وتؤكد صحة مركزه الاستثماري فحسب، متجاهلاً كل المؤشرات الأخرى.

المستثمر الذي يركز فقط على الربح المنتظر يميل لتجاهل أي أخبار أو معلومات تخالف رؤيته واتجاهه، لأنه يخشى أن تجعله يغير وجهة نظره التي قد تحقق له النجاح والثروة المأمولة.

يرى “برينت فيكس” كبير مديري الاستثمار في “جين سبرينج” أن هناك مفهومًا استثماريًا رئيسيًا أتقن الأثرياء التعامل باحترافية: “أنهم يعرفون متى يتوقفون عن الطمع”.

المشكلة أن معظم المستثمرين التقليديين يميلون إلى الاتجاه لشراء الأسهم التي تشهد اهتمامًا وتداولات مرتفعة من جانب الآخرين، على عكس الأثرياء الذين يفضلون توجهًا هادئًا وأقل خطرًا.

سيكولوجية الطمع

يحكي المستثمر الأمريكي ومدير صناديق التحوط “بروس كوفنر” أنه حاول تدريب 30 متداولاً على قواعد الاستثمار، لكن من أثبت كفاءة جيدة اقتصر على خمسة أشخاص فحسب.

وعن الخصائص التي ميّزت هذا العدد المحدود الذي تمكن من إثبات كفاءته عن الغالبية الفاشلة، يقول: “أحد الاختلافات الرئيسية أن الناجحين كانوا منضبطين في تحديد أحجام مراكزهم المالية بشكل صحيح، لأن المتداول الطماع يفشل دائماً”.

كل حالات الطمع التي تنتاب المستثمرين تبدأ من فكرة بريئة وربما مبررة كذلك: ترى السهم الذي ترغب في وضع أموالك فيه أو الذي تمتلكه بالفعل يحقق مكاسب، بالتالي تشعر بأنها الفرصة المناسبة للربح السهل.

حينها، تبحث عن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الأصل، ربما الوصول للثراء السريع الذي كان الحلم الأبرز دائماً للجميع على مدار التاريخ الحديث.

لكن المستثمر الذي يسيطر عليه الطمع لا يرى إلا فرص تحقيق مزيد من الربح، لا يقبل بالواقع الحالي وإنما يرسم في خياله احتمالات وسيناريوهات أفضل.

الطمع قد يظهر في قرار مستثمر بالاحتفاظ بمركز مالي خاسر أملاً في صعوده لاحقاً مع رغبته في تعويض هذا الهبوط، في إطار الرغبة التقليدية لتفادي الخسائر بقدر الإمكان.

كما قد يتمثل الطمع أحياناً في الإبقاء على مركز حقق مكاسب بالفعل، مع السعي للاستفادة من احتمالات الصعود الإضافي، بل قد يضيف بعض المستثمرين مزيداً من السيولة أو يتجهون للاقتراض طمعاً في أرباح إضافية.

وهكذا يتعثر المستثمرون عادة، يلاحقون ما يمكن اعتباره “أفضل من أن يمكن تصديقه”، الحلم باستمرار الصعود وتحقيق مكاسب كبيرة سريعة، والمبالغة في رد الفعل تجاه أداء السوق.

عندما تتجاهل جانبًا من الاحتمالات لصالح آخر فإنك تضع نفسك في موقف الفريسة السهلة للسوق وتقلباته، لأن تجاهل الخطر المحتمل لا يكفي لتفادي حدوثه.

وضع الخطر في الحسبان

يفكر القليل من المستثمرين في المخاطر المحتملة عندما يتحذون قرار الاستثمار بشكل عام، ما يماثل تركيزهم على السعر وليس القيمة.

الاستثمار يعتبر بمثابة لعبة صفرية المحصلة، فعندما يخسر شخص ما فإن مستثمرًا آخر يربح، لا يمكن أن يحقق الجميع المكاسب في نفس الوقت، لكن هؤلاء الرابحين هم دائماً الأكثر التزاماً وانضباطاً.

والمستثمرون الجشعون الذين لا يفكرون أبداً في المخاطر المحتملة ويبحثون فقط عن الربح السريع هم أسهل مصدر للمال بالنسبة للمؤسسات والمستثمرين الأكثر التزاماً.

يميل المستثمر الذي يسيطر عليه الطمع إلى الوقوع في فخ الشراء بسعر مرتفع قبل أن يضطر للبيع بعد فترة بسعر أقل.

من النادر أن تجد من يطالب المستثمرين ببيع الأسهم التي يمتلكونها لجني الأرباح، وحتى إذا حدث ذلك فإن معظم الأشخاص من المرجح أن يتجاهلوا هذه النصيحة لأنهم يفكرون في فرص تحقيق مزيد من المكاسب.

لكن التركيز على المكاسب المحتملة فحسب وتجاهل خطر الخسارة يجعلان الكثير من المستثمرين ينتهي بهم الحال بفقدان أموالهم.

يقول “فريد هيكي” المستثمر في قطاع التكنولوجيا إن أحد أكبر مفاتيح إتقان فن الاستثمار يتمثل في أنه لا يمكنك أن تسمح بوقوع خسائر حادة.

ومن طرق التركيز على المخاطر تبرز أهمية النظر لجانبي السعر والقيمة، ورغم أن السعر يمثل الجزء الظاهر من جبل الجليد، فإن الجانب الخفي المتمثل في القيمة هو ما يجب التركيز عليه.

لكن كيف يمكن النظر لهذا الجانب الخفي؟، الواقع أن هذا الأمر يتطلب بعض التفكير والدراسة والكثير من الحساب.

وعادة يستخدم المستثمرون معدل السعر إلى الأرباح لتحديد القيمة الحقيقية للسهم وما إذا كان يتداول بسعر أعلى أم أقل من الأرباح الحالية أو المتوقعة على مدار الأشهر المقبلة.

الاهتمام بالقيمة وليس السعر قد ينقذ المستثمر من الوقوع في براثن الخوف في حال حدوث هبوط مفاجئ ومؤقت، أو التعرض لإغراء الصعود السريع الذي قد لا تبرره الأساسيات.

كيف تتجاوز الطمع؟

يقول “وارن بافيت” إنه يحاول ببساطة أن يكون خائفاً عندما يسيطر الجشع على الآخرين، ويشعر بالطمع عندما يسود الخوف الجميع.

ربما يكون السبب الأول وراء انهيار عائد الاستثمار لدى البعض هو العواطف، فالعبارة التقليدية القائلة بأن الخوف والطمع يحكمان السوق تعتبر صحيحة للغاية.

ويكمن سحر الانضباط الاستثماري في أنه يستهدف موازنة العلاقة بين العائد المتوقع والخسائر المحتملة، أنه يمثل الطريقة الأفضل للسيطرة على جانبي الخوف والطمع.

ويعتبر الأمر المعاكس تماماً للطمع هو الانضباط، المستثمر الذي يمتلك خطة واضحة ويلتزم باستراتيجية محددة نادراً ما يقع في فخ الطمع والهرولة وراء المكسب السريع.

أيضاً من الضروري أن يحدد المستثمر نقاط لوقف الخسائر ومستهدفات للأرباح قبل شراء السهم، من أجل الاستعداد الجيد لكلا الاحتمالين ومعرفة كيفية التعامل معهما بطريقة مسبقة.

من المنطقي ألا تدع الخوف أو الطمع يسيطر عليك، والتركيز بدلاً من ذلك على الصورة الأكبر التي قد تتخللها انحرافات قصيرة الأجل بالطبع، لكن على المدى الطويل ستتحقق النتيجة المنطقية بناءً على تحليلك للأساسيات.

الأمر الأكثر أهمية هو الخروج من عباءة الرغبة في الثراء السريع واستبدالها بخطة واضحة لتكوين الثروة على المدى الطويل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى