دراسة حديثة بعنوان “التوظيف السياسي للهجمات السيبرانية ومخاطرها على الأمن القومي”

صدرت دراسة علمية لمحكمة للباحث ماجد عزيز إسكندر، الباحث بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري بعنوان “التوظيف السياسي للهجمات السيبرانية ومخاطرها على الأمن القومي”، إصدار مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية 2023

 

ملخص الدراسة:

 

لقد طغى على العلاقات الدولية خلال القرن العشرين التهديدات التقليدية المتعلقة باستخدامات القوة العسكرية، إلا أن القرن الواحد والعشرين شهد تفوقًا للتهديدات الأمنية غير التقليدية بما في ذلك ظاهرة الإرهاب الدولي والجريمة العابرة للحدود الوطنية والحروب الأهلية والتدهور البيئي وأيضًا التهديدات السيبرانية. ومن بين كافة هذه التهديدات غير التقليدية تُعتبر التهديدات السيبرانية المرتبطة بالاستخدامات غير السلمية للفضاء السيبراني هي الأكثر تطورًا وتعقيدًا وربما خطورة؛ خاصةً في ضوء التقدم التكنولوجي السريع وتطور العمليات السيبرانية الهجومية وتنامي قدراتها التدميرية وتهديداتها للأمن القومي.

 

ففي حين أن الدول كانت هي الكيانات ذات الصلة في السياسة العالمية خلال القرن المنصرم وكان من شأن المعاهدات بين هذه الدول أن تقلل من احتمالات الصراع بينها والذي كان عسكريًا بالأساس، إلا أنه مع ظهور الفضاء السيبراني وبروز دور الفاعلين من غير الدول في النظام الدولي برزت مصادر جديدة للمخاوف والتهديدات المتعلقة بالأمن القومي، حيث ظهرت أنماطًا جديدة من الصراعات السيبرانية القائمة على الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، بدءًا من الجريمة الإلكترونية العابرة للحدود الوطنية، والتجسس بالاعتماد على أدوات الفضاء السيبراني، والإرهاب السيبراني إلى الهجمات والحروب السيبرانية التي يمكن أن تعطل النظم العسكرية أو تغلق خوادم الحكومات أو تدمر البُنى التحتية الحرجة.

 

لقد أصبح الفضاء السيبراني “ميدانًا جديدًا للحرب”، وعالمًا افتراضيًا يعكس الواقع المادي الحقيقي بكل تعقيداته، فقد انتقلت الصراعات والحروب والأزمات على الأرض إلى هذا العالم الافتراضي، وأضحى مصدرًا للهجمات السيبرانية التي يتم شنها لتحقيق أهداف متعددة، وتتطور بسرعة فائقة ومعقدة، وتتزايد خطورتها بشكل يومي. وبرغم أن الثورة الكبيرة التي شهدتها تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال قد شكلت فرصًا جيدة لتحسين وتيسير الحياة البشرية وأحدثت تطورًا في المجتمعات وأعمال التجارة والأعمال الحكومية في العالم منذ نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي، إلا أن ما ارتبط بهذه الثورة من تحول رقمي واتساع تطبيق العديد من دول العالم للحكومة الإلكترونية E-government، واتجاه الحكومات والشركات والأفراد إلى زيادة الاعتماد على التقنيات الذكية والارتباط بالفضاء السيبراني للقيام بكافة الأنشطة اليومية، تزايدت – في المقابل – المنصات القابلة للاختراق، وارتفعت حدة المخاطر السيبرانية.

 

ومن جانب آخر، فقد واكب الثورة التكنولوجية القائمة والعصر الرقمي الحالي Digital Age حدوث تطور لطبيعة الصراع الدولي ومفهوم القوة في علم العلاقات الدولية، حيث ظهر مفهوم “القوة السيبرانية” كشكل جديد من أشكال القوة، وأصبح التفوق في امتلاك هذه القوة الجديدة أمرًا مهمًا لتنفيذ عمليات هجومية ذات فعالية ضد الدول الأعداء بدون الحاجة إلى دخول أقاليم هذه الدول مثلما هو الحال في الحروب العسكرية التقليدية. كما لم تعد الدول القومية على اختلاف قدراتها العسكرية والاقتصادية هي فقط من تمتلك القوة السيبرانية، وإنما أصبح الفاعلون من غير الدول من تنظيمات عسكرية أو سياسية أو جماعات متطرفة أو إرهابية أو إجرامية يمتلكون هذه القوة، ولذلك تضاعفت التهديدات التي يواجهها أمن الفضاء السيبراني والأمن القومي للدول. وبالإضافة إلى ذلك، استطاعت بعض القوى الصغيرة في النظام الدولي امتلاك هذه القوة، وبالتالي أصبح لديها قدرة أفضل للتأثير على تفاعلات هذا النظام بجانب القوى الكبرى التقليدية المسيطرة على تفاعلات السياسة العالمية.

 

وقد تلاحظ أن السنوات الأخيرة قد شهدت تزايدًا كبيرًا في الهجمات السيبرانية المدفوعة بأسباب سياسية، حيث أصبح من الشائع توظيف هذه الهجمات في إطار تحقيق أهداف السياسة الخارجية، أو التلاعب بالعمليات الانتخابية في الدول المعادية، أو في سياق العمليات النفسية السيبرانية التي تستهدف المعنويات وتتم باستخدام أدوات الفضاء السيبراني، فضلاً عن توظيفها في إطار ما يُسمى بـ “الاستخبارات السيبرانية”. ونتيجة ذلك اندفعت دول عديدة نحو تطوير قدراتها السيبرانية سواء الهجومية أو الدفاعية بهدف حماية أمنها القومي، وتعزيز القدرات السيبرانية المتصلة مباشرةً بضمان أمنها العسكري، واللازمة أيضًا لحماية بنيتها التحتية الاقتصادية والمالية. وقد تضاعفت تكاليف استجابة الدول للتهديدات السيبرانية، والتي غالبًا ما تفوق في سرعتها وتطورها قدرة الدولة على التعامل معها. وبذلك أصبحت قضية “الأمن السيبراني” تتصدر بشكل متزايد أجندة الأمن القومي للعديد من دول العالم.

 

إن تزايد الهجمات السيبرانية المدفوعة بأهداف سياسية خلال الفترة الأخيرة يرجع إلى الفوضى التي تتسم بها التفاعلات في الفضاء السيبراني وغياب المؤسسات الدولية وآليات مراقبة سلوك الدول في الفضاء السيبراني وخصائص الفضاء السيبراني ذاته التي تشجع الدول على شن هذه الهجمات وتوظيفها لتحقيق أهدافها السياسية، فضلاً عن وجود ثغرات قد تكون غير معلومة تحتفظ بها الدول كسلاح سيبراني تستخدمه عند الضرورة كأداة لتحقيق أهداف سياستها الخارجية. إن إنشاء معاهدة دولية لحظر الأسلحة السيبرانية وتنظيم سلوك الدول في الفضاء السيبراني يحتاج مزيد من الجهود الدولية الجادة لتقريب وجهات النظر بين الدول السيبرانية العظمى حول القضايا السيبرانية الخلافية بينها، وهي قضايا حوكمة الفضاء السيبراني، والسيادة السيبرانية، وحقوق الإنسان في الفضاء السيبراني. وتتطلب مواجهة التهديدات السيبرانية اتخاذ مجموعة واسعة من التدابير أهمها؛ إنشاء هيئة وطنية عليا لمراجعة متطلبات الأمن السيبراني، وصياغة استراتيجيَّة متكاملة للأمن السيبراني وتطويرها، مع الاستفادة من المؤشـرات الدولية للأمن السيبراني، وإنشاء مركز لعمليات أمن المعلومات (ISOC)، وإعداد خطط للأمن السيبراني وبرامج دفاعية تؤدي مهام متعددة تحت مظلة برامج الحماية، وتدريب المستخدمين على كيفية استخدام تكنولوجيا المعلومات، وزيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والمناهج الحديثة في مواجهة التهديدات السيبرانيَّة، وإنشاء جامعات متخصصة بقضايا الأمن السيبراني، والتعاون مع الدول الصديقة لأن الهجمات السيبرانية تعبر حدود الدول بسهولةٍ وسـرعةٍ فائقتَين، ولا تُمكِّن القوانين واللوائح وحدها الدول من التحكم الكافي أو الكامل في الفضاء السيبراني.

 

لينك الدراسة:

 

https://www.ecssr.ae/publication/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%b8%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%87%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d9%91%d9%8e/

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى