دكتور رمزي الجرم يكتب: الحوار الوطني والأزمة المالية

لاشك ان إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني، في هذا الوقت ، له أهمية بالغة، لما يُمر به الاقتصاد المصري من أزمة مالية ، تُعد من أعتى الأزمات المالية التي مرت على الدولة المصرية عبر عقود طويلة مضت، وستكون تداعيات الأزمة الحالية، حاضرة بقوة على أجندة الحوار الوطني، وعلى خلفية ذلك، تم تحديد ثمان لجان، سيتم مناقشتها في جدول أعمال المؤتمر ، وهي: لجنة التضخم والأسعار، ولجنة الدين العام وعجز الموازنة والإصلاح المالي، ولجنة الاستثمارات العامة وسياسة ملكية الدولة، ولجنة الاستثمارات الأجنبية، سواء المحلية او الأجنبية، ولجنة الصناعة، ولجنة الزراعة والأمن الغذائي، ولجنة العدالة الاجتماعية، ولجنة السياحة.

ومن الجدير بالذكر ، ان الأزمة الحالية التي يواجهها الاقتصاد المصري، هي ازمة نقدية ومصرفية بالأساس، على خلفية ممارسات الفيدرالي الأمريكي بشان اسعار الفائدة الأمريكية، والتي تسببت في إحداث ازمة نقص حاد في موارد النقد الأجنبي، لا يكفي لتمويل فاتورة الاستيراد الباهظة، والتي نتج عنها مشكلة البضائع المكدسة بالموانئ المصرية والتي كانت قد بلغت 14.5 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، فضلا عن التأثير السلبي على قدرة الاقتصاد المصري على سداد ديون مستحقة خلال العام الحالي تُقدر بنحو 17 مليار دولار، نتيجة نزوح استثتمارات غير مباشرة في ادوات الدين الحكومية بنحو 23 مليار دولار مع بداية ممارسة الفيدرالي الأمريكي سياساته الخبيثة بشأن أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، من أجل حماية الاقتصاد الأمريكي، من خلال ترحيل حدة الأزمة للاقتصادات الاخري.

وزاء ذلك، من المتوقع أن يَتبنى الحوار الوطني، حلاً سريعاً للمشاكل الاقتصادية، وتحديداً، مشكلة النقص الحاد في موارد النقد الأجنبي، إذ ان حل تلك المشكلة، من شأنه ان يسهم في حل العديد من المشاكل الاقتصادية الأخرى المرتبطة بها، فالاولوية، تَتبدى في إيجاد مصادر أخرى للنقد الأجنبي، والذي سيسهم بشكل كبير في سداد جزء من الدين الخارجي المُستحق، ودعم العملة المحلية، والذي ينتج عنه انحفاض معدلات التضخم المرتفعة

بشكل ملموس، مما يخفف العبء عن كاهل كثير من طبقات المجتمع المختلفة، وبشكل خاص الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

أيضاً من المتوقع ان يكون هناك اهتمام بوضع خطة طموحة عاجلة، لتنمية قطاعي الزراعة والصناعة، بإعتبارهما قاطرة النمو في اي اقتصاد واعد، يسعي إلى زيادة الانتاج وزيادة الطاقة التصديرية، والحد من فاتورة الاستيراد الباهظة، والتي تُعد احد اهم توطين الأزمات المالية في الاقتصاد المصري، نتيجة اعتماده على استيراده اكثر من 60٪ من احتياجاته من السلع الأساسية والاستراتيجية من الخارج، والتي كانت السبب الرئيسي في زيادة حدة التضخم خلال الفترة الحالية، نتيجة إرتفاع أسعار السلع المُستوردة المُحملة بمُعدلات التضخم في دولة المنشأ.

بالاضافة الى ذلك؛ يجب أن يلقى الإهتمام بمسألة الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي، في ظل إرتفاع فوائد الدين العام في موازنة 2023 /2024 إلى نحو 1.120 مليار جنيه، بالمقارنة بنحو 755.2 مليار جنبه في موازنة 2022 /2023، وبما يشير إلى ان موارد الدولة المصرية، يتم إنفاقها على سداد أقساط وفوائد الدين العام، وبما يَحرم المواطن من اي تطور على كافة المستويات، ويُنذر بكارثة حقيقية، اذا ما أستمرت الأمور على ما هي الآن.

كما أنه من الضروري ان تكون اجندة الاستثمارات العامة والخاصة، سواء المحلية او الأجنبية، حاضرة بقوة على كامل المشهد، امام القائمين على أعمال الحوار الوطني، على خلفية ضعف قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل كبير، وبما يحرم الاقتصاد المصري من حصيلة ضخمة من موارد النقد الأجنبي، فضلا عن الحد من الاستيراد، نتيجة زيادة الانتاج المحلي، الناتج عن زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السوق المحلي، كما يجب السير قدما في سبيل تحقيق 100 مليار دولار صادرات، والتي دعا إليها السيد / رئيس الجمهورية، والتي من شأنها زيادة تدفقات نقد اجنبي داخل للاقتصاد، وبما يسهم في زيادة قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي المصري، وتحسين اوضاع ميزان المدفوعات، والقدرة على تحسين سوق صرف النقد الأجنبي بشكل أفضل من أجل دعم الجنيه المصري امام الدولار الأمريكي وكافة العملات الأخرى.

فضلا عن ذلك، يجب وضع خطة طموحة مُتكاملة، لدعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومُتناهية الصغر، لا تعتمد على الجانب التمويلي فقط، ولكن تكون في إطار مُحدد، يخدم خطة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، كما يجب وضع الأليات الفعالة التي تحول دون تحويل التمويل المُيسر الذي توفره الدولة لمثل تلك النوعية من المشروعات، من التسرب خارج الغرض الذي تم التمويل من أجله، وهذا ما حدث، على مدار المبادرات التمويلية التي طرحها البنك المركزي المصري، وآخرها مبادرة 200 مليار جنيه، بالاضافة الى ضرورة مُحاربة كافة انواع الفساد في منح تلك النوعية من القروض، حيث شهدت مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة سالفة الذكر، الكثير من الوساطة والمحسوبية واستغلال النفوذ، والتي تَبدت في حصول البعض على مبالغ ضخمة، بفائدة مُيسرة جداً، ولا تخدم هذا القطاع من قريب أو من بعيد، فالأرقام وحدها، لا يمكن أن تصنع نمواً حقيقياً، ولكن يجب أن يتم ترجمة ذلك على أرض الواقع، من خلال قياس مدى زيادة مُكون المشروعات الصغيرة في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، اما ذكر قيمة ما تم منحه لاصحاب تلك المشروعات، لا يمكن الاعتماد علبه في تقييم الأمور.

وبشكل عام، يجب تبني حلولاً واقعية وغير تقليدية، يمكن تنفيذها في الواقع بشكل سريع، حتى ولو كانت متواضعة إلى حد ما، أفضل من تبني امنيات مكتوبة على ورق، دون تنفيذها في الواقع، فعلى أسوأ الإحتمالات، ينبغي تبني اهداف يجب البدء في تنفيذها حالاً، افضل من تَبني أهدافاً كبيرة قد تتحقق على آجال بعيدة، وقد لا تَتَحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى