شحاته ذكريا يكتب| الفن والسياسة.. حينما تتحول السينما إلى سلاح في معركة تشويه الحقائق

في عصرنا الحالي لم تعد السينما مجرد وسيلة للترفيه أو لنقل القصص الواقعية والخيالية فحسب بل أصبحت أيضا أداة قوية يمكن أن تؤثر في الرأي العام وتُستخدم أحيانا كأداة في حروب ثقافية وسياسية .. لكن ماذا يحدث عندما يتحول الفن من كونه وسيلة لنقل الحقيقة إلى أداة للتضليل والتشويه؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الفيلم الهندي “حياة الماعز”، الذي أثار جدلا واسعا حول أهدافه الحقيقية وتداعياته على العلاقات بين الدول والمجتمعات.

 

الفيلم الذي يدور حول معاناة عامل هندي في المملكة العربية السعودية ، تم تصويره بطريقة تجعله يبدو وكأنه وثيقة تكشف عن مظالم اجتماعية. لكن وراء تلك القصة الدرامية يوجد تشويه مقصود للحقائق واستغلال لأحداث حقيقية بهدف نشر سردية مغلوطة حول المجتمع السعودي. ما يثير القلق هو تورط شركات إنتاج عالمية في تمويل هذا العمل مما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول الأجندات الخفية التي تقف وراءه.

 

القصة الحقيقية التي استند إليها الفيلم تختلف تماما عن الصورة التي قدمها للمشاهدين. فبينما يعرض الفيلم العامل الهندي كضحية للنظام السعودي ، تظهر القصة الحقيقية جانبا إنسانيا تم إغفاله عمدا .. ففي الواقع وبعد حادثة القتل المروعة التي ارتكبها العامل بحق كفيله ، تدخلت أسرة الكفيل وتنازلت عن حقها في القصاص ، في مشهد يعكس أسمى قيم التسامح والرحمة. ولكن هذه اللحظة الإنسانية لم تجد لها مكانا في الفيلم الذي فضل التركيز على الجوانب السلبية فقط.

 

لا يمكن فصل هذا النوع من الأعمال الفنية عن السياق السياسي العالمي ، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعا مستمرا بين القوى العالمية الكبرى. السينما هنا تتحول إلى سلاح ناعم يُستخدم لتشويه صورة دول بعينها وتشويه قيم مجتمعاتها ، في حين تتجاهل تلك الأفلام كل الجهود الحقيقية التي تبذلها هذه الدول في مجال الإصلاحات وتحسين أوضاع العمالة.

 

على سبيل المثال المملكة العربية السعودية قد خطت خطوات كبيرة في السنوات الأخيرة لتحسين أوضاع العمالة الوافدة ، مثل إلغاء نظام الكفيل وتطبيق إصلاحات شاملة تهدف إلى ضمان حقوق الجميع. ومع ذلك لم يتطرق الفيلم إلى هذه الجوانب مما يثير التساؤلات حول الهدف الحقيقي من إنتاجه.

 

إن السينما والفن عموما يحملان مسؤولية كبيرة تجاه الجمهور ، وعليهما أن يكونا صوتا للحقيقة وليس أداة لتضليلها. وفي هذا السياق على المشاهدين أن يكونوا أكثر وعيا وتحليلا لما يشاهدونه ، وأن يدركوا أن هناك دائما وجها آخر للقصة قد لا يُعرض على الشاشة الكبيرة.

 

في النهاية ، تبقى الحقيقة أقوى من أي محاولة لتشويهها. ولكنها تتطلب منا جميعا أن نكون حذرين في استقبال الرسائل التي تُبث عبر الأعمال الفنية، وأن نبحث دائما عن الحقيقة الكاملة بعيدا عن التزييف والإثارة الرخيصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى