ما علاقة الدولار والبورصة في مصر بما يحدث عالميا؟ مدحت نافع يوضح!

تشهد الأسواق العالمية والعربية تراجعاً ملحوظا ، كما تراجع الذهب عالميا وارتفع سعر الدولار في مصر ، وتكبدت البورصة المصرية خسائر فادحة.

ما علاقة سعر الدولار في مصر ومؤشرات البورصة المصرية بما يحدث في الولايات المتحدة واليابان وسائر الأسواق؟

قال الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي ، إن الإجابة على هذا السؤال سيتم تقسيمها إلى 3 أجزاء:

أولاً: المشهد العالمي عند وقوع الأزمة

ثانياً: ارتباط مصر بالعالم عبر ما يسمى بقنوات العدوى المالية

ثالثاً: كيف تسبب الفزع وخروج الأجانب في ارتفاع الدولار وانهيار البورصة في مصر؟

لماذا حدثت الأزمة العالمية

وأوضح مدحت نافع،  بالنسبة للمشهد العالمي،  فترة طويلة كانت الصين هي محرك النمو العالمي الأهم ومع الصعوبات التي تواجهها الصين بسبب أزمة العقارات والحرب التجارية مع الولايات المتحدة منذ 2018 .

ولعبت الولايات المتحدة دوراً هاماً كمحرك للنمو العالمي مع بعض حلفائها مثل الهند.

ونعني بمحرك النمو أن يكون الاقتصاد كبيراً وتكون معدلات نموه كبيرة بحيث يرفع متوسط النمو العالمي بشكل معتبر.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة وهي تحارب التضخم الذي يهدد بفقدان الدولار لعرشه كأهم عملة في العالم، عمدت إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير وغير مسبوق منذ عقود وسار على نهجها البنوك المركزية الغربية، هذا الرفع الذي نسميه (التشديد النقدي) ، يضعف من فرص النمو لأن ببساطة تكلفة اقتراض الأموال من أجل الاستثمار تكون أعلى فينصرف الناس عن الاستثمار فيتراجع النمو (تبسيط مخل) .

وأضاف إذن أمريكا كانت الأمل الوحيد في دفع العالم إلى النمو بعيداً عن توقعات التباطؤ الاقتصادي والركود أصبحت مصدر القلق والخوف من الركود

أوضح أنه في هذا التوقيت كانت اليابان صاحبة واحدة من أهم العملات (الين الياباني) تقدّم قروضاً بفائدة صفرية وسالبة في بعض الأحيان..فكان المستثمر يستلف من اليابان ويحوّل الين لدولار لشراء أسهم والاستثمار المباشر في مشروعات مقوّمة بالدولار بتكلفة اقتراض صفرية وبفارق سعر صرف في صالح الدولار الآخذ في الارتفاع أمام الين مع استمرار التشديد النقدي من الفيدرالى الأمريكي.

وأكد أن هذه العملية انتشرت جداً وأصبحت تمثّل تريليونات من الدولارات في تعاملات مختلف الأسواق من أوراق مالية، لمشتقات لسلع لذهب لعملات رقمية.

وأضاف أن المركزي الياباني بدأ يرفع أسعار الفائدة،  وأصبح الجميع يترقّب أن يبدأ الفيدرالي الأمريكي في التحرك تجاه خفض الفائدة، ولكن الفيدرالي أصر أن يصل التضخم 2% ، ويرى أن الأثر على النمو والتوظيف في الداخل الأمريكي لا يقلق، حتى وقت قريب جداً، وهنا بدأ المستثمر (العالمي) يقيم خسائره المستمرة من ارتفاع الفائدة على الين..هو من ناحية سيدفع سعر فائدة أعلى من الصفر ومن ناحية أخرى عندما يحوّل الدولار إلى ين ياباني لسدد ديونه سيقوم بشراء الين بسعر أعلى (قاعدة عامة العملة التي يرتفع سعر فائدتها تصبح أقوى نسبياً).

وقال إن الفيدرالي في اجتماعه الأخير ثبّت الفائدة (مجدداً) عند مستواها المرتفع ولم يبدأ موجة التيسير (خفض الفائدة) ويرى أن مؤشرات النمو والتوظف في أمريكا ساءت بشكل ملحوظ، في نفس الوقت السياق العالمي يهدد بتوسع في التوترات والسياق السياسي الأمريكي والأوروبي غير مشجّع على الاستثمار والعالم كله على شفا حفرة من الانهيار ينتظر أي حدث مهما كان تافهاً لبدء أثر الدومينو.

تأثير مصر بالأحداث العالمية

ويرى مدحت نافع أن ارتباط مصر بالعالم عبر ما يسمى بقنوات العدوى المالية، في ظل كل هذه التشابكات كانت مصر تعتمد في برنامجها الاقتصادي على التشديد النقدي والكبح المالي (رفع أسعار الفائدة وخفض الإنفاق الحكومي) وذلك لمطاردة التضخم الجامح وجذب الأموال الساخنة (مشتريات الأجانب في أذون الخزانة التي  تعد أدوات دين قصيرة الأجل).

وأوضح أن هذه الأموال رغم أنها لعينة وغير مستقرة وليس لها أمان إلا إننا نحتاجها في الأجل القصير جداً لسداد التزاماتنا الدولارية،  لكن مع الانتباه إلى ضرورة تعويضها بسرعة باستثمارات أجنبية مباشرة (مشروعات جديدة وشراء أصول إنتاجية ..وخلافه) وكذلك كانت مصر تراهن على تحسّن تدفقات النقد الأجنبي من مصادره المعتادة (التصدير وقناة السويس وتحويلات العاملين والسياحة..)،  لكن هذه المصادر كانت على موعد مع أزمة جيوسياسية خانقة متمثلة في حرب غزة اللي تراجعت بسببها مختلف المصادر وخلقت على هامشها أزمة طاقة محلية.

وأوضح أن الصدمة العالمية المشار إليها في النقطة السابقة أصبحت تدفع المستثمر صاحب الأموال الساخنة إلى طلب مزيد من الفائدة لتعويض مخاطره الإضافية، ولأن زيادة الفائدة مش أمر هين فبدأنا نلاحظ تراجع إقبال الأجانب على إصدارات الدين الأخيرة ” الفائدة مش عاجباهم”.

وأشار إلى أن هذه الأموال بدأت في خروج  الأجانب تدريجياً من أدوات الدين، وبعد جلسة تداول يوم الجمعة الماضي والتي انهارات فيها بورصات العالم الكبرى، تحوّل هذا الاتجاه الهادئ إلى اتجاه محموم للخروج الأجنبي، (بيع ما في حوزتهم من أذون وتحويل قيمة البيع إلى دولار وتحويله إلى الخارج)، لأن الخسائر الكبرى التي حققها الأجانب في البورصات الأمريكية وبورصة طوكيو وغيرها من أسواق، تجعلهم يبحثوا في محفظتهم عن أي سوق حققوا فيها مكاسب ليبيعوا ما في حوزتهم من أصول لاستخدام حصيلة البيع في تغطية مراكزهم المكشوفة ” سداد الديون والمارجن أو القرض التي حصلوا عليه لشراء أسهم).

وأضاف أنهم يقومون ببيع الذهب واي أصول أخرى (لذلك الذهب يتراجع رغم أن الطبيعي أنه يصعد في حالة الخوف) ، حالة الهلع يعكسها مؤشر VIX المرتبط بتقلبات الأسواق والمسمى بمؤشر الخوف والذي وصل لمستويات لم يصلها منذ أزمة كورونا.

وأوضح أن مصر سوق منفتحة على أسواق المال من خلال قنوات بعينها أهمها مشتريات أدوات الدين ومبيعاتها، الاستيراد من الخارج، سداد الالتزامات الدولارية للخارج، وهذه جميعاً تجعل نقص العملة الصعبة (على خلفية خروج الأجانب من أذون الخزانة) شئ مرهق وضاغط على سعر الدولار (لما يقل الدولار يزيد سعره) ، ولا يملك البنك المركزي المصري وقف نزيف سعر الصرف بأنه يسحب من الاحتياطي ويضخة في السوق بلا توقّف، لأن هذا يكافئ الأموال الساخنة التي دخلت مصر بدولار سعره مرتفع ويرغب في الخروج بدولار مدعوم (يحميه المركزي من الهبوط) ..من ناحية أخرى الاحتياطي غالي جداً ولا تملك التصرف فيه بحرية لوجود التزامات عاجلة كتيرة منها أموال ساخنة قدّرت بنحو 35,5 مليار دولار وودائع وخدمة دين، ناهيك عن حاجتك إلى تدبير العملة لاستيراد السلع الاستراتيجية.

كيف ساهم الفزع في ارتفاع الدولار ؟

وأوضح أن خروج الأجانب لأسباب خارجية pull factors ضاعف من حدتها أسباب داخلية push factors ، بمعنى ان المستثمر خرج عشان يغطى مركزه المالي المتعثر (وعشان انت في نفس الوقت مش بتعوّضه بما يراه مناسباً من تكاليف مخاطره في صورة ارتفاع جديد في أسعار الفائدة خاصة بعد الإجراءات الأخيرة برفع أسعار المحروقات التي ضغطت على القيمة الحقيقية للفائدة ) ومن ثم على مؤشر مهم لقيمة العملة العادلة أمام العملات الاخرى (سعر الصرف الحقيقي الفعّال) .. فكان من الطبيعي أن الخروج يكون بوتيرة سريعة..سواء من أدوات الدين أو من أسهم البورصة اللي هي كانت تربح بشكل كبير مستفيدة من تراجع قيمة الجنيه منذ قرارات 6 مارس.

وأشار إلى أن الهلع العالمي يترجم إلى موجات بيع وتوقعات سلبية بخصوص النمو ومن ثم عزوف عن الاستثمار بكل أشكاله.

وأوضح أن مصر في حاجة إلى الأوكسجين من الخارج في صورة استثمار أجنبي لتعويض نقص الإدخار المحلى وتحقيق معدلات نمو معقولة، رغم  أننا كنا في مأمن من أزمة تكنولوجية نتيجة عدم الانفتاح عالمياً على أسواقها ، ولكننا في حالة انكشاف كبيرة على أسواق المال في ظل ندرة رؤوس الأموال عالمياً وارتفاع تكلفة التمويل على خلفية رفع البنوك المركزية للفائدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى