محمد النظامي يكتب| لهيب الأموال الساخنة

الأموال الساخنة (Hot Money) هي استثمارات مالية تنتقل بسرعة بين الأسواق العالمية بهدف تحقيق أرباح سريعة من الفروق في أسعار الفائدة وأسعار الصرف. تتميز هذه الأموال بأنها تبحث عن العوائد المرتفعة في فترة زمنية قصيرة، وغالبًا ما تكون على شكل استثمارات في أذون وسندات الخزانة، وشهادات الادخار، وأسهم الشركات المدرجة في البورصة.

في الاقتصاد المصري، تُعتبر الأموال الساخنة جزءًا مهمًا منذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر 2016. قبل هذا التاريخ، كانت تدفقات الأموال الساخنة محدودة نسبيًا بسبب سياسات سعر الصرف الثابت والتحكم في رأس المال. بعد التعويم، أصبحت مصر وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب بفضل العوائد المرتفعة على أدوات الدين الحكومية. بين عامي 2017 و2019، شهدت مصر تدفقات ضخمة من الأموال الساخنة بلغت حوالي 20 مليار دولار، مما ساعد في تعزيز الاحتياطيات النقدية الأجنبية واستقرار سعر الصرف. لكن في عام 2020،

ومع بداية جائحة كورونا، خرجت حوالي 20 مليار دولار من هذه الأموال بشكل سريع، مما تسبب في ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصري. تكررت الأزمة بشكل أكثر حدة في عام 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث خرجت 22 مليار دولار من الأموال الساخنة خلال أسابيع قليلة. هذا الخروج المفاجئ تسبب في تقلبات حادة في سعر صرف الجنيه المصري وأدى إلى تراجع الاحتياطيات النقدية الأجنبية.

الدولار
الدولار

في عامي 2023 و2024، عادت تدفقات الأموال الساخنة إلى مصر بقوة نتيجة لرفع أسعار الفائدة مجددًا لجذب الاستثمارات الأجنبية. قدرت الحكومة أن هذه التدفقات تجاوزت 30 مليار دولار بنهاية عام 2024، مما ساعد في استقرار سعر الصرف وتعزيز الاحتياطيات النقدية. على الرغم من التحديات، فإن الاحتياطي النقدي المصري الآن قوي بشكل كبير، حيث بلغ مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 46.38 مليار دولار في يونيو 2024، مما ساعد في استقرار الاقتصاد المحلي وتعزيز الثقة في النظام المالي.

الاحتياطي النقدي القوي يوفر دعمًا للاستقرار المالي ويعزز قدرة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية. التوترات الحالية بين إسرائيل وإيران بعد مقتل إسماعيل هنية في طهران تزيد من احتمالية انسحاب مفاجئ للأموال الساخنة من مصر، مما قد يؤدي إلى ضغوط جديدة على سعر الصرف والاحتياطيات النقدية.

لذا، يُعتبر التوازن بين جذب الأموال الساخنة واستثمارات طويلة الأجل أكثر استقرارًا أمرًا حيويًا للحفاظ على استقرار الاقتصاد المصري. في الختام، على الرغم من الفوائد التي توفرها الأموال الساخنة على المدى القصير، فإن الاعتماد الكبير عليها يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار اقتصادي عند انسحابها المفاجئ. لذا، يجب على الحكومة المصرية تبني سياسات اقتصادية حكيمة ومتوازنة لضمان استقرار الاقتصاد على المدى البعيد، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة.

محمد النظامي خبير الأسواق العالمية
محمد النظامي خبير الأسواق العالمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى