الدكتورة هدى المنشاوي تكتب: مصر ومكانها من الأزمة العالمية ومشكلة الدين
الدكتورة هدى المنشاوي تكتب: مصر ومكانها من الأزمة العالمية ومشكلة الدين ..
هل جميع دول العالم في أزمة اقتصادية؟!! الأزمة عالمية ولا شك ولكن لولا أن تدفقت على مصر أموال خارجية لم تحسن إدارتها بالشكل الكافي مع أنها وضعت في أساسيات لا غني عنها ولكنها في حقيقة الأمر دانتها بحوالي ١٧٧ مليار دولار، وذلك الوضع مع الأزمات الدولية بالتأكيد زاد الأمر سوء وهذه الديون منهم حوالي ١٣٥ مليار دولار خلال فترة الثمان سنوات الأخيرة، تضاف إليهم قيمة الفوائد عند السداد حتى عام ٢٠٥٤م، حوالي ١٥٦,٥ مليار دولار، بشرط أن تسدد مصر ٥٠% من قيمة المديونيات المستحقة خلال خمس سنوات، لصندوق النقد الدولي إضافة إلى سداد ديون الاتفاقيات الثنائية ومعظمها مع دول الخليج، أي ما يقرب من حوالي ١٠٠ مليار دولار حتى ٢٠٢٧م.
وتبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي الآن حوالي ٣٥%، وهي نسبيا ضمن حدود آمنة وفقا للمعايير الدولية التي ترى النسبة آمنة ما دام أنها أقل من ٦٠%، لكن عند إضافتها إلى الدين المحلي الذي يبلغ حوالي ٢٦٠ مليار دولار، تصبح نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الإجمالي حوالي ٩١%، ويعني هذا أن خدمة الدين المصري الذي تزيد سنويا عن ٢٠ مليار دولار وفاتورة الواردات من السلع الأساسية سترتفعان بشكل كبير فيما تتراجع احتياطات البنك المركزي المصري من العملة الصعبة.
من المؤسف أن الوضع أدى إلى أن خسرت فئات عريضة من الشعب المصري أكثر من ثلث قوتها الشرائية خلال أقل من سنة، ومن المنتظر أن تفقد ثلثاً آخر خلال تلك السنة ايضا ، ولولا الدعم الحكومي المتواصل للسلع الأساسية وتحسين مستوى الأجور والرواتب لكان الوضع الاجتماعي أكثر سوء ، ورغم ما تبذله الدولة لدعم الطبقات الفقيرة ثمة مخاوف متزايدة من عواقب القروض الجديدة والقروض اللاحقة على المستوى المعيشي للمواطن المصري البسيط والمتوسط.
وتحتاج مصر إلى حوالي ١٤ مليار دولار إضافية لإعطاء دفعة جديدة لإصلاح الاقتصاد وسد العجز الناتج عن نقص العملة الأجنبية في البلاد، ولكن في المقابل تهدد القروض المتزايدة بإغراق مصر بالديون التي أوصلت بلدانا عدة إلى الإفلاس، خصوصا وأن واردات مصر من العملة الصعبة لا تفي بمتطلبات خدمة الدين.
وتتجه الحكومة في الوقت الراهن إلى اعتماد سياسة اقتصادية جديدة تطلق القوى الكامنة في القطاع الخاص وتقلص دور الدولة في الاقتصاد، وتستند هذه السياسة إلى بيع المزيد من المؤسسات الحكومية وفسح المجال أمام الاستثمار الداخلي والأجنبي في مجالات كانت حكراً على الدولة.
ورغم أن الأزمة عالمية إلا أننا يجب أن نرفع رؤوسنا جميعا ولا ندفنها في الرمال كالنعام ونطمئن على حياتنا، فمعظم الذين يهادنون الأزمة إما خارج الوطن أو منتفعين من الأزمة أو محافظين على مناصبهم ووظائفهم، يجب أن نعترف بالأزمة كأزمة محلية تخص الإدارة المصرية في التوجه والتصرف، وليست كأزمة عالمية ننتظر قرار حلها من الخارج حتى بدون مشاركة، أو أن ندعو الله أن يرفع عنا البلاء مستسلمين متواكلين.
فمن المثير للعقل أن دولا كثيرة استطاعت أن تنجو من الأزمة كما كان لمصر سبق النجاة من الازمة الاقتصادية العالمية عام ٢٠٠٨م، وعلى سبيل المثال الآن فالصومال لم تتراجع اقتصاديا بل تقدمت وتقدمت عملتها، واليونان التي كانت قد اشهرت افلاسها من تأثير الازمة العالمية عام ٢٠٠٨م استطاعت ان تحتفظ باتزانها وتقدمت عملتها، وكذلك المغرب وتونس والأردن.
والبعض الآخر من الدول استطاعت من تغيير مفاهيم الأدوار الاقتصادية واللعب كأطراف وسيطة ثالثة وبالتعاون مع أجهزة مخابراتها، أن تحقق مكاسب ضخمة وتحول الأزمة إلى فرصة حقيقية لتحقيق خطوات اقتصادية هائلة، مثل الهند والصين وسنغافورة وتركيا ومعظم دول الخليج العربي، فاستفادت تلك الدول من المقاطعات السياسية والحصار الاقتصادي المفروض على بعض الدول، لتنشط هي بطريقة أو بأخرى لتكون بديلا عن الدور الاقتصادي المحاصر.
الدكتورة هدى المنشاوي خبيرة أسواق المال