الشركات الناشئة في العراء بعد انهيار سيليكون فالي

أدى تدفق الأموال إلى عالم شركات التكنولوجيا الناشئة في الأعوام الأخيرة إلى تحذيرات مستمرة من الكوارث. في أغلب الأحيان، تحولت هذه إلى نوع مشابه للانهيار الذي ضرب وادي السيليكون مطلع القرن، عندما أدى تدافع إلى كسب المال من الإنترنت المبكر إلى إفراط هائل في الاستثمار.

 

مع ذلك، يمكن القول إن أيا من سيناريوهات الكوارث لم يتصور انفجارا ماليا من الداخل كالذي وقع هذا الأسبوع في “إس في بي فاينانشيال”، الشركة الأم لـ”سيليكون فالي بانك”.

 

بصفتها مؤسسة يقدر أنها تعمل مع نصف شركات التكنولوجيا الناشئة المحلية، يمثل انهيارها تهديدا واضحا. دفع ذلك رئيس شركة واي كومبيناتور، المسرعة لشركات التكنولوجيا في مراحلها المبكرة والبارزة في سان فرانسيسكو، إلى التحذير الجمعة من أن الشركات الناشئة في وادي السيليكون قد تواجه “حدثا بمستوى الانقراض”.

 

من نواح عديدة، تبدو هذه وكأنها قصة مألوفة في عالم المصرفية، سعيا وراء تحقيق عوائد أعلى، غفل سيليكون فالي بانك عن ملاحظة ما بدا خللا واضحا في إدارة المخاطر. ارتفعت أصوله إلى ثلاثة أضعاف تقريبا في غضون ثلاثة أعوام، حين تدفق رأس المال إلى الشركات الناشئة ومن ثم تم إيداعه في البنك. وضع سيليكون فالي بانك قدرا كبيرا من الأموال في سندات طويلة الأجل لتحقيق عائد أعلى. عندما ارتفعت أسعار الفائدة، تراجعت القيمة السوقية لتلك الاستثمارات، تاركة البنك مع خسائر بلغت على الورق 15 مليار دولار نهاية العام الماضي.

 

وبدلا من بيع السندات وتلقي ضربة، كان سيليكون فالي بانك يأمل في رعاية محفظته للسندات منخفضة العائد حتى استحقاقها، مع معاناة انخفاض صافي هوامش الفائدة حتى ذلك الحين. ربما نجحت الخطة. لكن تبين هذا الأسبوع أن عملاء البنك من الشركات الناشئة، الذين يواجهون أوقاتا عصيبة أكثر، كانوا يسحبون أموالهم، ما أجبر البنك على بيع الاستثمارات وتكبد خسارة. أدت الحاجة إلى مزيد من رأس المال، المترتبة على ذلك، إلى دق أجراس الإنذار وإلى فرار المودعين، بحلول صباح الجمعة، اضطرت السلطات التنظيمية إلى التدخل وإغلاق البنك.

 

مع اقتراب نهاية الأسبوع، كان من المستحيل معرفة مدى ضرر هذه الصدمة المالية التي ستضرب الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا مع تجميد الودائع الآن. كان فائض رأس مال سيليكون فالي بانك نهاية العام الماضي كافيا تقريبا لاستيعاب خسائره التقديرية في تلك المرحلة. وحتى بعد خسارة 1.8 مليار دولار أخرى مبلغ عنها هذا الأسبوع، لا تزال الخسائر تبدو متواضعة في ظل وجود قاعدة ودائع إجمالية بلغت، في كانون الأول (ديسمبر)، 173 مليار دولار (على الرغم من أن 42 مليار دولار سحبت الخميس وحده).

 

مع ذلك، يمكن أن تزداد الخسائر مع بيع السلطات التنظيمية القسري لأصول البنك. الأمر الذي يلحق ضررا أكبر أيضا بعديد من الشركات الناشئة هو خطر حجز أموالها التي تمس الحاجة إليها إلى أجل غير مسمى، ما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالالتزامات الفورية مثل رواتب موظفيها وإجبار بعضها على وقف أعمالها.

 

يوجد جمع كبير من الذين يسعون إلى تحويل هذا إلى قصة أخلاقية في وادي السيليكون. يرى بعضهم أن هذا مثال آخر على غطرسة عالم التكنولوجيا، ودليل على أن الأوقات السارة أعمت صناعة التكنولوجيا عن بعض الأخطار الحقيقية فعلا. مثلا، لماذا تركت شركة عامة مثل مؤسسة بث الفيديو روكو 487 مليون دولار مودعة فيما كان حتى وقت قريب يعد بالكاد بنكا متوسط الحجم على الصعيد الأمريكي؟

 

من جهة أخرى، يرى آخرون أن تداعيات انهيار سيليكون فالي بانك تذكير بالكيفية التي يسارع بها وادي السيليكون ـ الذي عادة ما يكافح بشدة للإفلات من قبضة التنظيم الحكومي القوية ـ إلى طلب الدعم من واشنطن عندما تقع أزمة. حث تان، رئيس مسرعة التكنولوجيا الذي حذر من انقراض شركات القطاع الناشئة، رواد الأعمال في صناعة التكنولوجيا على الكتابة إلى ممثليهم المحليين في الكونجرس طلبا لمساعدة حكومية فورية.

 

بحلول وقت متأخر من الجمعة، بدأ توجيه أصابع الاتهام أيضا. تم اعتبار التهافت على البنك الذي جعل سيليكون فالي بانك عاجزا، مثالا على السلوك الشبيه بسلوك القطيع الذي في الأغلب ما يظهره مستثمرو التكنولوجيا. حث عدد من شركات رأس المال المغامر الشركات التي استثمرت فيها على سحب أموالها من سيليكون فالي بانك بعد أن قال البنك إنه يسعى إلى جمع مزيد من المال. أخبرني شريك في إحدى شركات رأس المال المغامر البارزة أن مثل هذه السحوبات تسببت في أزمة كان من الممكن تفاديها بالكامل. من جهة أخرى، تجمعت أكثر من 12 شركة من شركات رأس المال المغامر معا لتتعهد بدعم سيليكون فالي بانك في المستقبل، إذا تدخلت مؤسسة أخرى لإنقاذه – ولو أن عددا من شركات وادي السيليكون المعروفة لم تكن ضمن المجموعة.

 

التدافع في أوساط شركات رأس المال المغامر أكد شعورا متناميا بأنه إذا تمت تصفية سيليكون فالي بانك ربما يتم فقدان شيء لا يمكن تعويضه. وصف أحد المستثمرين البنك بأنه “مثل البطين الأيسر” للعالم المالي في وادي السيليكون – ليس بارزا للعيان مثل شركات رأس المال التي توفر رأس المال المخاطر الذي مول صناعة التكنولوجيا الحديثة، لكنه مهم للأداء السلس للقطاع. تأسس قبل 40 عاما لملء فراغ خلفته البنوك الكبرى التي في الأغلب ما رفضت إقراض الشركات الناشئة. تأمل شركات رأس المال المغامر التي تجمعت معا ليلة الجمعة ألا يكون قد فات الأوان لإحياء البنك. لكن إذا فات الأوان، فسيفقد وادي السيليكون مؤسسة لعبت دورا مهما في نهضته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى