دكتور رمزي الجرم يكتب : “الأعلى للاستثمار” وأزمة الدولار
لا شك أن تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار، وفقا للمادة 68 من القانون رقم 72 لسنة 2017 برئاسة السيد رئيس الجمهورية، ياتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة جدا، تُحيط بالاقتصاد المصري، الناتجة عن الأزمة النقدية التي خلفتها الأزمات المتتابعة والمتصاعدة على المشهد الاقتصادي العالمي، وبشكل خاص على صعيد الاقتصاد المحلي ؛ نتيجة النقص الحاد في موارد النقد الأجنبي، بسبب خروج مزيد من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في ادوات الدين الحكومية، والتي يطلق عليها الأموال الساخنة، حيث تم نزوح نحو 22 مليار دولار خلال الاربع شهور الأولى من العام الماضي، وبعد نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية، وتبني الفيدرالي الأمريكي سلسلة من رفع اسعار الفائدة الأمريكية، مما انتقال المزيد من تلك الاستثمارات إلى الاستثمار في السوق الأمريكي الجاذب للاستثمار الاجنبي بشكل أفضل، على اعتبار انه دولة طباعة الدولار.
وعلى خلفية اعتراف الحكومة بالخطأ في الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بشكل اساسي، والذي كان له دور كبير في زيادة حدة الأزمة الحالية، بدأت في تغيير استراتيجياتها نحو توفير البيئة المناسبة لجذب المزيد من الاستثمارات الاجنبيه المباشرة، بالاضافة الى الاستثمارات من السوق المحلي، من خلال إصدار الرخصة الذهبية، والتي تَحد يشكل كبير من كافة أشكال البيروقراطية التي تُعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر، فضلا عن تعديل قانون راس المال، وتهيئة بنية تحتية تستوعب المزيد من الاستثمارات سواء المحلية او الأجنبية، بالاضافة الى تشجيع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، في أضيق الحدود، وبشكل غير اساسي، ولا يمكن الاستفادة من المناخ الداعم للاستثمار؛ إلا من خلال كيان رسمي، قادر على قيادة قاطرة الاستثمار، عن طريق تشكيل مجلس أعلى للاستثمار تحت رئاسة السيد رئيس الجمهورية، وعضوية الكثير من الوزارات والأجهزة والهيئات ذات الشأن.
والحقيقة، ان دعم الاستثمار من خلال انشاء المجلس الأعلى للاستثمار، من شأنه أن يُلبي طموحات الدولة المصرية، على خلفية ان جذب المزيد من الاستثمارات الاجنبيه المباشرة، سيدعم استراتيجية 100 مليار دولار صادرات، فضلا عن ان زيادة قاعدة الاستثمار،سوف يدعم تخفيض فاتورة الاستيراد بشكل كبير، مما يوفر المزيد من موارد النقد الأجنبي، وتحسين اوضاع ميزان المدفوعات، وزيادة قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي المصري، وزيادة فرص العمل بشكل حقيقي، من أجل تخفيض حدة البطالة التي بلغت نحو 7.4٪ بعد ما كانت عند مستوى 7.2٪ قبيل الأزمة الجارية، بل وتوفير المزيد من الوظائف الجديدة ، فضلا عن زيادة ملحوظة في الحصيلة الضريبية، المفروضة على إنتاج السلع داخل البلاد.
الا انه لا يمكن للسياسات والإجراءات الاقتصادية التي اعتمدها البنك المركزي المصري خلال الفترة الأخيرة وحدها؛ من إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، الا من خلال زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل اساسي، على خلفية ان هذا التوجه سوف يكون له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصري من خلال تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد بشكل حقيقي، وأهمها الوصول بمعدلات التضخم إلى المعدلات الآمنة، نتيجة دعم القطاعات الحيوية في الاقتصاد مثل قطاع السياحة والتصدير والصناعة والزراعة.